دخلت المأكولات المُعدَّلة وراثيًا أسواق الاستهلاك منذ تسعينيات القرن الماضي، وما زال يُثار الجدل بشأن سلامتها حتى يومنا، فما حقيقة الأضرار المزعومة التي يسببها التحوير الوراثي للأغذية؟ ما الأغذية المعدلة وراثيًا؟ وكيف تُطور؟ الأغذية المعدلة وراثيًا، وتُسمى أحيانًا الأطعمة المحورة وراثيًا أو المأكولات المعدلة جينيًا، هي محاصيل زراعية خضعت للتعديل الجيني بهدف تحسين صفاتها أو مكوناتها. تُنتج هذه التعديلات بواسطة تقنيات الهندسة الوراثية، التي تسمح بإجراء تغييرات دقيقة في بنية الجينات. وقد طُبقت التحسينات الوراثية على محاصيل متنوعة، مثل البطاطا والفليفلة والذرة والحبوب. هل الأغذية المعدلة وراثيًا ضارة؟ رغم الخوف من الآثار الجانبية للأطعمة المعدلة وراثيًا، بات واضحًا أنها آمنة تمامًا كالمأكولات التقليدية. لقد توصل الباحثون إلى ذلك بعد إجراء أكثر من مئة دراسة قارنت بين تأثيرات الأطعمة التقليدية وتأثيرات المأكولات التي خضعت للتغيير الوراثي. خلُصت الهيئات الأمريكية المعنية بمراقبة المواد الغذائية وتنظيمها -وهي إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ووكالة الحماية البيئية، ووزارة الزراعة- إلى أن الأغذية المُعدلة وراثيًا آمنة تمامًا. في الحقيقة، كثيرًا ما تكون هذه الأغذية أكثر فائدة! المأكولات المعدلة وراثيًا وصحة الأعضاء: من أبرز الاتهامات الموجهة إلى الأطعمة المعدلة وراثيًا أنها تسبب تخريب أعضاء الجسم. للتحقق من ذلك، أجرى العلماء اختبارات على القوارض، قارنوا فيها بين مجموعات القوارض التي تناولت أطعمة معدلة وراثيًا لفترات محددة، ومجموعات لم تتناولها. فُحصت أعضاء هذه الحيوانات وأنسجتها تحت المجهر بعد موتها، بواسطة الفحص النسيجي المرضي «الباثولوجي»، وهو الفحص ذاته الذي يُستخدم لكشف السرطان لدى البشر. أظهرت النتائج أن أنسجة القوارض التي تناولت الأطعمة المعدلة وراثيًا لا تختلف عن تلك التي تناولت غذاءً تقليديًا. هل تؤثر الأغذية المعدلة وراثيًا في الإنجاب؟ يخشى البعض تأثير الأطعمة المعدلة وراثيًا في الأجيال اللاحقة، وتحديدًا في القدرة الإنجابية والنساء الحوامل والأجنة. للإجابة عن ذلك، أُجريت دراسة تتبعت أربعة أجيال من القوارض تناولت أطعمة معدلة وراثيًا طوال حياتها. لم تتأثر القدرة الإنجابية، ولم تظهر أي تأثيرات سلبية على الإناث الحوامل أو الأجنة النامية. تسمح لنا هذه الدراسات بتقييم سلامة الأغذية المعدلة جينيًا لدى الإنسان على نحو كبير. هل تنتقل الجينات المعدلة إلى البشر؟ وهل تسبب السرطان؟ اقترح البعض أن الجينات المعدلة في النباتات المستهلكة غذائيًا غير مستقرة بنيويًا، لذا فإنها قد تسهم في حدوث طفرات لدى من يتناولها. من المعروف أن الطفرات الوراثية قد تترافق بالسرطانات. قيست معدلات حدوث الطفرات لدى الحيوانات التي استهلكت أصنافًا من الأطعمة المعدلة جينيًا، فتبين من خلال أبحاث متكررة أنها مماثلة للمعدلات الطبيعية. أي أن التعديل الجيني في هذه النباتات لا يزيد احتمال حدوث الطفرات لدى المستهلكين. ظهرت أيضًا مخاوف من انتقال المورثات المُعدَّلة إلى الإنسان. هذه المخاوف لا تستند إلى أي أساس علمي، فالإنسان يستهلك يوميًا المادة الوراثية الموجودة في الأطعمة النباتية والحيوانية، دون أن تنتقل الجينات إلى الخلايا البشرية. ومع ذلك، جرى التحقق من ذلك عمليًا من خلال التجارب، وتبين أن المادة الوراثية المعدلة الموجودة في الأطعمة لا تندمج في المورثات البشرية ولا تؤثر فيها. المأكولات المعدلة وراثيًا وخطر التحسس: يحدث التحسس لدى البعض عندما يتعرضون لمادة غريبة قادرة على تفعيل رد الفعل التحسسي لديهم. تسبب مكونات موجودة في بعض المأكولات حساسية غذائية لدى البشر، أهمها الفستق والحليب والبيض والسمك والقمح. فإذا ظهرت الحساسية لدى شخص ما بعد تناول الفستق العادي، فمن المتوقع أن يتحسس أيضًا من سلالات الفستق المعدلة وراثيًا. أما إذا لم يتحسس من السلالات التقليدية، فلن يتحسس من السلالة المعدلة. السبب أن المادة المسببة لحساسية الفستق موجودة في كل من السلالات المعدلة وراثيًا وغير المعدلة. بمعنى آخر، لا يسبب التعديل الوراثي بحد ذاته التحسس الغذائي. هل يخفض التعديل الجيني القيمة الغذائية للأطعمة؟ على العكس! كثيرًا ما تتفوق المأكولات المعدلة وراثيًا على الأطعمة العادية. فمثلًا، يمكن بواسطة التعديل الوراثي إنتاج نمط من فول الصويا ينتج زيوتًا أكثر فائدة للجسم مقارنةً بالزيوت المهدرجة. في مثال آخر، جرى تطوير محاصيل طماطم تحتوي كميات كبيرة من مضادات الأكسدة. بعد أن تناولت مجموعة من الأفراد هذه الطماطم فترةً من الزمن، انخفضت نسبة الإصابة بالسرطان لديهم. في الواقع، التعديل الوراثي أداة رائعة لتحسين فوائد الأطعمة التي نتناولها، إذ تستطيع الهندسة الوراثية انتقاء السمات المُحبذة وتعزيزها. كيف نتحقق من سلامة المأكولات المعدلة وراثيًا؟ تخضع الأطعمة المعدلة وراثيًا لاختبارات صارمة ومراحل محكمة قبل تقديمها للمستهلك، وتشترط إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التحقق من أن الأطعمة المعدلة وراثيًا مماثلة للأطعمة الأخرى من ناحية السلامة، قبل طرحها. لا بد من الحذر من المعلومات المضللة المنتشرة على الإنترنت، والتحقق من موثوقية المصادر التي نأخذ التوصيات منها. للتحقق من المعلومات المتعلقة بالأغذية المحورة وراثيًا، يوفر مركز تقييم الخطر البيئي الأمريكي قاعدة بيانات مفتوحة للعامة للاطلاع على تاريخ تطوير المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيًا، ونمط التعديل المستخدم فيها، والقوانين التي تنظم ذلك في دول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *